”أنا أم لثلاثة أطفال ... هكذا كانوا عندما سافر أبوهم للعمل في احدى دول
الخليج وما لبث أن ارسل لي ورقة الطلاق واختفى من حياتنا ، ليتركني وحدي
أواجه مصاعب الحياة ومتطلباتها ، وأنا امرأة غريبة ديار من دولة عربية
مجاورة ، فارسل لي والدي رحمه الله بعد طلاقي يطلب مني ترك أبنائي والعودة
إلى مسقط رأسي فرفضت رفضا مطلقا وقلت له ” أترُك روحي ولاأترُك أولادي“!
وكلفني
هذا القرار غاليا حيث اضطررت للعمل بكل مهنة شريفة مهما كانت وضيعة فخدمت
في البيوت عملت اّذنة واهترأت يداي وتشققت أناملي من مساحيق الغسيل والجلي
والتنظيف وانحنى ظهري وضعفت ركبتاي عن حمل جسمي الواهن المتعب حتى تمكنت من
تربية أبنائي وتعليمهم فتخرجوا وحملوا شهادات علمية كنت أعطرُها بدموعي
وأختمها بقبلاتي وأشعر أن اسمي مسجل عليها بالعرق والدم والدموع.
واليوم استقر مقامي مع ابني الذي وفق بالعمل في شركة مرموقة ويتقاضى ألفا وخمسمائة دينا شهريا ويسكن في شقة راقية بضاحية الرشيد .
ليلة
عيد الام دخل علي منزعجا وقال: ”زوجتي لا تريدك معنا في بيتنا وليس لك
خيار إلا الرحيل .. والآن“ ، فانهَرْت وأجهشت بالبكاء والرجاء فما كان منه
إلا أن اخرجني عنوة وألقى علي دراجة طفله والتي كنت أخدم في بيوت الناس
أسابيع كي أوفر له مثلها في طفولته فأصابت رأسي ورقبتي وما عدت أقوى على
تحريكهما وخرجت من بيته في ساعة متأخرة من الليل لا أدري إلى أين أذهب
وقطرات المطر الشديد تغمرني، وكأن هموم الدنيا كلها قد اجتمعت علي في ساعة
واحدة، وقضيت الليل كله أحتمي من البرد والعواصف والسيول تحت درج عمارة من
عمارات ضاحية الرشيد، تختلط دموعي المنهمرة وأنات حسراتي وشعوري بالعقوق
والإجحاف بالماء المنهمر من السماء ، ولم يكن أمامي إلا وجه الكريم الذي
يجيب المضطر اذا دعاه فإذا بي أرفع يدي ولا تطاوعني نفسي بالدعاء على ولدي
فإدعو له بالهداية والرشاد وقد أمسى دافئا أمنا في حضن زوجته ورماني للظلام
والضياع في ليلة مطيرة شديدة البرد".
وفي الصباح مشيت حتى أعياني
المشي واستعنت بما تيسر من مواصلات لاّتي " تكية أم على " وطلبت منهم أن
يقبلوا بي عاملة تنظيف عندهم مقابل حصولي على وجبة طعام واحدة في اليوم ،
فما كان منهم إلا أن قدموا لي وجبة مباشرة وأبدوا استعدادهم لاستضافتي
وإطعامي يوميا من دون مقابل، ونظرت الى الوجبة الشهية والجوع يكاد يقتلني
ولكن ارتجفت يداي وما تجرأت أن أضع لقمة واحدة في فمي ، لأنني عشت حياتي
كلها اّكل من عمل يدي ولا أقبل الصدقات.
ثم عدت أدراجي إلى صويلح
لاّقابل أحد المسؤولين من أجل نقل ابني الاّصغر الذي يعمل موظفا في احدى
المؤسسات ويتقاضى راتبا قدره مائة وخمسون دينارا شهريا إلى مؤسسة اخرى مع
توفير سكن وظيفي له ، وما قويت ركبتاي على حملي وانا اصعد الدرج فجثوت أبكي
وأشكو وأبث حزني إلى الله ، فجاءني المسؤول يعرض علي صدقة من الصدقات
فاعتذرت له قائلة إني عشت حياتي كلها أعمل وأبذل وأعطي ولن أكون أبدا صاحبة
اليد السفلى .
تفاعل معي المسؤول بشكل كبير وما هي إلا ساعات حتى انتقل
ابني الاّصغر وزوجته وكنت معهم إلى بيت متواضع يضمنا بالحنان والمحبة
والوفاء "
انتهى كلام هذه الام الاردنية التي روت قصة ضربها و طردها من
البيت عشية يوم الام الاخير وأنا بدوري أرفع هذه القصة إلى جلالة الملكة
رانيا العبد الله مرشحا إياها لجائزة أهل الهمة التي إن تمثلت في انسان
أردني فلا أجمل أن تتمثل في مثل هذه الام المعطاء.