خالد شاب مصرى كغيره من الشباب الذين ولدو وعاشو وتعلموا وتخرجوا
دون ان يدركوا لما يتعلمون ولاحتى لما يعيشون وما هدفهم فى الحياه سوى
الحصول على ما يرغبون به بشتى الطرق
لم يكن خالد راض عن حياته ابدا
يتطلع دوما الى من هم اعلى منه فى المستوى المادى والمعيشى ويرغب فى العيش
المترف دونما ادراك لمتطلبات هذا المستوى
دائم الضغط على والديه
لتوفير كل احتياجاته الاساسيه وغير الاساسيه بل وحتى الاستفزازيه منها
دونما احساس منه بالعبء الذى يضعه على كاهليهما
وعندما تخرج خالد من
الجامعه بتقدير مشرف كان مزهوا بنفسه وبانجازه وقدراته الفذه بالرغم من
عدم قدرته على الاعتماد على نفسه فى ابسط الامور الحياتيه
لاعتماده
المستمر على والديه حتى انه لم يفكر فى البحث عن عمل لانه قرر ومن قبل
تخرجه ان السفر للخارج هو الشىء الوحيد المناسب لامكاناته وقدراته الفريده
وان من بمكانته لا يناسبه العمل فى الوطن كباقى الناس
وبالطبع السفر
يحتاج للمال الكثير فما عليه الا ان يضغط وللمرة الاخيرة على والديه
للحصول على المبلغ على ان يرده لهما بعد حصوله على العمل المرموق
وان يرد لهام كل ما صرفاه عليه طوال عمره باع والده سيارته القديمه ونصيب له كان يملكه فى منزل العائله وأمه باعت
اساورها الذهبيه العزيزة على قلبها
وخالد يتذمر من طول المده التى قضياها فى تدبير المبلغ فصاحب مكتب السفريات يستعجله قبل نفاذ الاماكن
مالم
يذكره خالد لوالديه ان السفر سيكون بطريق غير مشروع وغير رسمى لصعوبة
الحصول على تاشيرة السفر للبلد المطلوب ولهذا تقوم بعض المكاتب بتنفيذ
عمليات تهريب عبر البحر للسفر الى اوروبا عبر ايطاليا واليونان
فى النهايه افلح الوالدين فى تدبير المبلغ
سلمه خالد لصاحب المكتب على امل تحديد موعد السفر و بالفعل جهز خالد حقيبته الصغيرة جدا وسط دهشة والديه من قلة الملابس والاغراض
وعلل خالد هذا بانه سيشترى اغراضا جديده بعد وصوله
جاء
اليوم الموعود بعد صبروانتظار واحلام ورديه من خالد بالمستقبل الباهر الذى
ينتظره والاموال التى سيجنيها والحياه المرفهة والمتع التى سوف تكون بين
يديه بعد ساعات قليله
ودعه والداه بكل الحب والدموع تنهمر من عيونهما لفراقه وقلقا عليه دون ان يشعر هو باى حزن لفراقهما
ركب الشبان المسافرين وخالد معهم الحافله الى الميناء المهجور لركوب السفينه
ولكن كانت المفاجأة عند وصولهم عدم وجود سفينه
بل قارب يبدو عليه القدم والتهالك
إعترض الشبان على الوضع وسوء حال القارب فهددهم المسئول أن من يرفض الركوب سيتركونه على الشاطىء وحيدا دون وسيلة للرجوع الى المدينه
فاستسلموا للامر الواقع آملين فى رحمة الله تحميهم
وحين أتموا الركوب وجدو أن العدد كبير على القارب بحيث أنهم بالكاد يستطيعون الجلوس متجاورين ولا مكان للنوم او الحركه
بدأت الرحله بعد حلول الظلام فى أجواء أقل ماتوحى به هو الخوف والقلق من القادم
إستمرت الرحله لساعات وساعات والبحر فى حال متوسطه الرياح والامواج
ولكن
قرب الفجر إشتدت الريح وبدا القارب فى التمايل بشده مع الامواج والمياه
تتدافع الى داخله بارده والشبان يحاولن التماسك وإخراج الماء من القارب
ولكن
مع إشتداد الريح وهطول المطر زاد الامر سوءا وفزع خالد أيما فزع وتذكر
والديه وإنتظارهما لمكالمته التى يطمئنهما فيها على سلامة وصوله
وقلقهم عليه وحالتهم اذا لم يتم هذا الاتصال
وهل حقا ستنتهى حياته بهذا الشكل الفظيع وبمنتهى السهوله فى عرض البحر فريسه للاسماك بعد هذا المجهود والعمر فى الدراسه
كل هذا يذهب ادراج الرياح بسبب طمع انسان جشع يتاجر بأرواح الناس
تزاحمت الافكار السوداء فى عقل خالد مع الخوف والرعب من الغرق
وبالفعل لم يستطع القارب الصمود أكثر من هذا الوقت فأنقلب فى البحر ملقيا كل من بداخله
وإشتد الصراخ والخوف من الشبان جميعهم فالسباحه لا تفيد بشىء فى هذا الحال
حاول البعض منهم التمسك بالقارب المقلوب بصعوبه بالغه
ومع إقتراب الصباح خفتت الاصوات وتلاشت إلا عن خالد ومعه فرد واحد فقط هما من تمكنا من الصمود ممسكين بالقارب
وسط هول الامواج
ولحسن
حظهما أدركهما قارب لحرس الحدود شاهد القارب المقلوب بعدما أشرقت الشمس
بساعات فالتقطوهما فى حالة إعياء وإنهاك شديدين وتم نقلهما الى الشاطىء حيث
تم التحقيق معهما ثم إطلاق سراحهما معدمين منهكين
قام خالد بالاتصال بوالده طالبا منه الحضور ليقله الى المنزل وحكى له ما حدث
عاد خالد الى منزل العائله محطما جسديا ومعنويا
لكنه كان قد أعاد التفكير فى حياته وقيمتها ومدى قسوته على والديه وإغتراره بذاته دونما عمل حقيقى يكون أساسا لهذا الفخر والتكبر
فاقترابه من الموت ورؤيته العديدين ممن كانو معه يفقدون حياتهم فى ثوانى
غير نظرته للحياه وقيمتها وأدرك ان العمر قصير ولا بد من إغتنامه فيما ينفع ويرضى الله
إعتذر خالد لوالديه عما فات وتغيرت معاملته لهما تماما
وما أن استرد عافيته حتى أخذ يبحث عن عمل مناسب لمؤهله
وبالفعل التحق بوظيفه بعد فترة من البحث والعناء وإن كانت براتب قليل إلا أن لها مستقبل بالعمل والصبر
وتغيرت حياته من النقيض الى النقيض فى فترة وجيزة
وقابل فى العمل زميله ملتزمه وعلى خلق فأعجب بها وتم زواجهما بيسر ورضا من كل الاطراف
وأرتقى
خالد فى عمله بمجهوده وما زال يذكر دوما اللحظات العصيبه التى مرت عليه
وهو يصارع أمواج البحر فتهون عليه صراعه مع أمواج الحياه