منتديــآت جيل العرب
تفسير سورة الكهف /3/ 061211160656sgvfytwlndk
منتديــآت جيل العرب
تفسير سورة الكهف /3/ 061211160656sgvfytwlndk
منتديــآت جيل العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أهلا بك يــآ زائر في https://djil.yoo7.com
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير سورة الكهف /3/

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
mc-vigaso
::-عضو مشاركـ-::
::-عضو مشاركـ-::
mc-vigaso


المزاج المزاج : تفسير سورة الكهف /3/ 310
المهنة المهنة : تفسير سورة الكهف /3/ Profes10
الهواية الهواية : تفسير سورة الكهف /3/ Writin10
الاعلام الاعلام : تفسير سورة الكهف /3/ 410
عدد المساهمات : 20
النقاط النقاط : 89520
السمعة السمعة : 0
تاريخ التسجيل : 24/06/2012

تفسير سورة الكهف /3/ Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الكهف /3/   تفسير سورة الكهف /3/ Emptyالأحد يونيو 24, 2012 3:45 pm

{{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا *}}.

قوله
تعالى: { {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} } أي اذكر لهم { {وَيَوْمَ
نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} } وعلى هذا فإن { {يَوْمَ} } ظرف عامِلُهُ محذوف
والتقدير اذكر { {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ
بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا *} } أي:
اذكر للناس هذه الحال، وهذا المشهد العظيم { {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ
الْجِبَالَ} } وقد بين الله عزّ وجل في آية أخرى أنه يسيرها فتكون سراباً
{{وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا *}} [النبأ: 20] ، وتكون
كالعهن المنفوش: {{وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ *}}
[القارعة: 5] ، وذلك بأن الله تعالى يدُك الأرض وتصبح الجبال كثيباً مهيلاً
{{يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا
مَهِيلاً *}} [المزمل: 14] ثم تتطاير في الجو، هذا معنى تُسَيَّرُ. ومن
الآيات الدالة على هذا المعنى قول الله تبارك وتعالى في سورة النمل:
{{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ
السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}} [النمل: 88] .
بعض الناس قال إنَّ هذه الآية تعني دوران الأرض، فإنك ترى الجبال فتظنها
ثابتة ولكنها تسير، وهذا غلط وقول على الله تعالى بلا علم لأن سياق الآية
يأبى ذلك كما قال الله تعالى: {} [النمل: 87 ـ 89] . فالآية واضحة أنها يوم
القيامة، وأما زعم هذا الرجل القائل بذلك بأن يوم القيامة تكون الأمور
حقائق وهنا يقول: {{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا}} [النمل: 88] فلا
حسبان في الآخرة، فهذا غلط أيضاً لأنه إذا كان الله أثبت هذا فيجب أن نؤمن
به ولا نحرفه بعقولنا، ثم إن الله عزّ وجل يقول: {{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ
تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ
ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى
وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }} [الحج: 1، 2] . فإذا قلنا إن زلزلة
الساعة هي قيامها، فقد بيَّن الله أن الناس يراهم الرائي فيظنهم سكارى وما
هم بسكارى، وعلى كل حال فإن الواجب علينا جميعاً أن نجري الآيات على ظاهرها
وأن نعرف السياق لأنه يعين المعنى ، فكم من جملة في سياق يكون لها معنى
ولو كانت في غير هذا السياق، لكان لها معنى آخر، ولكنها في هذا السياق يكون
لها المعنى المناسب لهذا السياق.


وقوله
تعالى: { {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} } أي: ظاهرة لأنها تكون قاعاً
وصفصفاً، وهي الآن ليست بارزة لأنها مكورة، وأكثرها غير بارز، ثم إن البارز
لنا أيضاً كثير منه مختفٍ بالجبال، فيوم القيامة لا جبال ولا أرض كروية بل
تمد الأرض مدَّ الأديم، قال الله عزّ وجل: {{ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ
* وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ }}
[الانشقاق: 1 ـ 3] ، فقوله: {{وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ *}} [الانشقاق: 3]
يدل على أن الأرض الآن غير ممدودة.


وقوله:
{ {وَحَشَرْنَاهُمْ} } أي الناس، بل إن الوحوش تحشر كما قال الله عزّ وجل:
{{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ *}} [التكوير: 5] . بل جميع الدواب أيضاً
كما قال تعالى في سورة الأنعام: {{وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ
طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا
فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ *}}
[الأنعام: 38] . فكلٌّ شيء يحشر، ولهذا يقول الله عزّ وجل هنا: {
{وَحَشَرْنَاهُمْ} } أي: الناس، وفي الآية الأخرى {{وَإِذَا الْوُحُوشُ
حُشِرَتْ *} } وفي الأخيرة جميع الدواب.


وقوله:
{ {فَلَمْ نُغَادِرْ} } أي نترك، { {مِنْهُمْ أَحَدًا} } كل الناس يحشرون،
إن مات في البر حشر، في البحر حشر، في أي مكان، لا بد أن يحشر يوم القيامة
ويجمع.


* * *

{{وَعُرِضُوا
عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ
مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا *}}.


قوله تعالى: { {وَعُرِضُوا} } أي: عرض الناس { {عَلَى رَبِّكَ} } أي: على الله سبحانه وتعالى.

{
{صَفًّا} } أي: حال كونهم صفاً بمعنى صفوفاً، فيحاسبهم الله عزّ وجل، أما
المؤمن فإنه يخلو به وحده ويقرره بذنوبه ويقول له عملت كذا وعملت كذا، فيقر
فيقول له أكرم الأكرمين: «إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك
اليوم»[(24)] يغفر الله عزّ وجل له يوم القيامة، ولا يعاقبه عليها وفي
الدنيا يسترها، فكم من ذنوب لنا اقترفناها في الخفاء؟ كثيرة، سواء كانت
عملية في الجوارح الظاهرة أو عملية من عمل القلوب، فسوء الظن موجود، الحسد
موجود، إرادة السوء للمسلم موجودة، وهو مستور عليه. وأعمال أخرى من أعمال
الجوارح ولكن الله يسترها على العبد. إننا نؤمِّل إن شاء الله أن الذي
سترها علينا في الدنيا، أن يغفرها لنا في الآخرة.


ثم
قال تعالى: { {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} }
أي يقال لهم ذلك. وهذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: اللام وقد والقسم
المقدر، يعني والله لقد جئتمونا { {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} }
ليس معكم مال ولا ثياب ولا غير ذلك، بل ما فقد منهم يرد إليهم، كما جاء في
الحديث الصحيح أنهم يحشرون يوم القيامة «حفاة، عراة، غرْلا»[(25)] و
«غُرْلا» جمع أغرل وهو الذي لم يختن، إذاً سوف يعرضون على الله صفا ويقال: {
{لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} }، ويقال
أيضاً:


{
{بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} }، هذا إضراب
انتقال، فهم يوبخون { {لَقَدْ جِئْتُمُونَا} } فلا مفر لكم { {كَمَا
خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} } فلا مال لكم ولا أهل، ويوبخون أيضاً على
إنكارهم البعث فيقال: { {بَلْ زَعَمْتُمْ} } في الدنيا { {أَلَّنْ نَجْعَلَ
لَكُمْ مَوْعِدًا} }، وهذا الزعم تبين بطلانه، فهو باطل.


* * *

{{وَوُضِعَ
الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُون
ياوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ
كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا *}}.


قوله تعالى: { {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} } أي وزِّع بين الناس، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله.

{
{فَتَرَى} } أيها الإنسان { {الْمُجْرِمِينَ} } أي: الكافرين {
{مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} } أي: خائفين مما كتب فيه لأنهم يعلمون ما
قدموه لأنفسهم، وهذا يشبه قول الله تعالى عن اليهود الذين قالوا: {{لَنْ
تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً}} [البقرة: 80] ،
فتُحُدوا وقيل لهم: {{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الْدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ
اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ *}} [البقرة: 94] ، قال الله: {{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ
أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}} يعني يعرفون أنهم إذا ماتوا
عُذِّبوا، ومن كان يعلم أنه إذا مات عُذب فلن يتمنى الموت أبداً، فهؤلاء
مشفقون مما في كتاب الله، يعني يعلمون أنه مُحتوٍ على الفضائح والسيئات
العظيمة.


ويقولون إذا علموا: { {ياوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} }.

{ يا } حرف نداء { ويلتنا } وهي الهلاك ولكن كيف تنادى؟

الجواب:
إما أن «يا» للتنبيه فقط لأن النداء يتضمن الدعاء والتنبيه، وإما أن نقول
إنهم جعلوا ويلتهم بمنْزلة العاقل الذي يوجه إليه النداء، ويكون التقدير
«يا ويلتنا احضري»! لكن المعنى الأول أقرب لأنه لا يحتاج إلى تقدير، ولأنه
أبلغ.


{ {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ} } أي شيء لهذا الكتاب؟

{ {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} } يعني أثبتها عدداً، كأنهم يتضجرون من هذا، ولكن هذا لا ينفعهم.

{ {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا} } أي وجدوا ثواب ما عملوا.

{ {حَاضِرًا} } لم يغب منه شيء وعبَّر الله تعالى بالعمل عن الثواب لأنه مثلُه بلا زيادة.

ثم
قال الله تعالى: { {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} } وذلك لكمال عدله
سبحانه وتعالى فلا يزيد على مسيء سيئة واحدة، ولا يَنقص من محسن حسنة
واحدة، قال تعالى: {{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا *}} [طه: 112] . وهذه الآية { {وَلاَ
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} } من الصفات المنفية عن الله، وأكثر الوارد في
الصفات الصفات المثبتة كالحياة والعلم والقدرة. وأما ذكر الصفات المنفية
فقليل بالنسبة للصفات المثبتة، ولا يتم الإيمان بالصفات المنفية إلاَّ
بأمرين:


الأول نفي الصفة المنفية.

والثاني إثبات كمال ضدها.

فالنفي
الذي لم يتضمن كمالاً لا يمكن أن يكون في صفات الله . بل لا بد في كل نفي
نفاه الله عن نفسه أن يكون متضمناً لإثبات كمال الضد، والنفي إن لم يتضمن
كمالاً فقد يكون لعدم قابليته، أي قابلية الموصوف له، وإذا لم يتضمن كمالاً
فقد يكون لعجز الموصوف، وإذا كان نفياً محضاً فهو عدمٌ لا كمال فيه، والله
تعالى له الصفات الكاملة كما قال تعالى: {{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ
الأَعْلَى}} [النحل: 60] أي الوصف الأكمل.


قلنا
إذا لم يتضمن النفي كمالاً فقد يكون لعدم قابليته، كيف ذلك؟ ألسنا نقول إن
الجدار لا يظلِم؟ بلى، هل هذا كمال للجدار؟ لا، لماذا؟ لأن الجدار لا يقبل
أن يوصف بالظلم، ولا يوصف بالعدل، فليس نفي الظلم عن الجدار كمالاً، وقد
يكون النفي إذا لم يتضمن كمالاً نقصاً لعجز الموصوف به عنه، لو أنك وصفت
شخصاً بأنه لا يظلم بكونه لا يجازي السيئة بمثلها لأنه رجل ضعيف لا يقدر
على الانتصار لنفسه لم يكن هذا مدحاً له.


فالخلاصة
أن كل وصفٍ وصف الله به نفسه وهو نفي، فإنه يجب أن نعتقد مع انتفائه ثبوتَ
كمال ضده، قال تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى
أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
[الأحقاف: 33] ، فعلى هذه القاعدة نفى الله «العي» وهو العجز؛ لثبوت كمال
ضد العجز وهو القدرة، إذاً نؤمن أن الله عزّ وجل له قدرة لا يلحقها عجز،
وقال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ } [ق: 38] ،
أي من تعب وإعياء وذلك لكمال قدرته جلَّ وعلا.


قلنا:
إن الله لا يظلم أحداً وذلك لكمال عدله، لكن الجهمية قالوا: «لا يظلم»
لعدم إمكان الظلم في حقه، وليس لأنه قادر على أن يظلم ولكنه لا يظلم، قالوا
لأن الخلق كلَّهم خلق الله، ملك لله، فإذا كانوا ملكاً لله فإنه إذا عذَّب
محسناً فقد عذب ملكه، وليس ذلك ظلماً لأنه يفعل في ملكه ما يشاء، ولكن
قولهم هذا باطل، لأنه إذا كان الله عزّ وجل قد وعد المحسنين بالثواب
والمسيئين بالعذاب، ثم أحسن المحسن فعذبه وأساء المسيء فأثابه فأقل ما يقال
فيه: إنه وحاشاه سبحانه وتعالى أخلف وعده. هذا أقل ما يقال، وهذا ولا شك
مناف للعدل وللصدق، فنقول لهم: إنَّ الله عزّ وجل قال في الحديث القدسي:
«يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي»[(26)]، وهذا يدل على أنه قادر عليه،
لكن حرَّمه على نفسه لكمال عدله جلَّ وعلا، إذاً نحن نقول لا يظلم الله
أحداً لكمال عدله لا لأن الظلم غير ممكن في حقه، كما قالت الجهمية.


* * *

{{وَإِذْ
قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ
كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ
وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ
لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً *}}.


قوله
تعالى: { {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ} } «إذ» هذه تأتي كثيراً في
القرآن، والمُعرِبون يقولون: إنها مفعول لفعل محذوف، والتقدير: اذكرْ إذْ
يعني اذكر هذا للأمة حتى تعتبر به ويتبين به فضيلة بني آدم عند الله.


وقوله:
{ {لِلْمَلاَئِكَةِ} } هم عالم غيبي خلقهم الله من نور. كما أعلمنا النبي
صلّى الله عليه وسلّم أن الله خلقهم من نور[(27)]. وأعلمنا الله تعالى في
القرآن أنه خلق الجنَّ من نار، وأنه خلق البشر من طين، إذاً المخلوقات التي
نعلمها هي، الملائكة من نور، والجن من نار، والإنسان من طين، فالملائكة
إذاً عالم غيبي والإيمان بهم أحد أركان الإيمان، والملائكة على خلاف
الشياطين كما يتبين من الآية، وهم أقدر من الشياطين وأطهر من الشياطين،
ولهم من النفوذ ما ليس للشياطين، فالشياطين لا يمكن أن يَلِجُوا إلى
السماء، بل من حاول أُتبع بالشهاب المحرق، والملائكة يصعدون فيها، فهم
يصعدون بأرواح بني آدم إلى أن تصل إلى الله، وهم أيضاً قد ملؤوا السموات،
فيجب علينا أن نؤمن بالملائكة إيماناً لا شك فيه، وأنهم عالم غيبي، لكن قد
يكونون من العالم المحسوس بقدرة الله، كما كان جبريل عليه السلام، فقد رآه
النبي صلّى الله عليه وسلّم مرتين له ستمائة جناح قد سدَّ الأفق وهو واحد
وهذا يدل على عظمة خِلقته، وعظمة خِلقة جبريل تدل على عظمة الخالق جلَّ
وعلا، أحياناً يأتي جبريل الذي هذا وصفه وهذا خلقه على صورة إنسان، ولكن
ليس تقلبه هكذا بقدرته هو، ولكن بقدرة خالقه جلَّ وعلا، والله أعطاه القدرة
على التقلب والتكيف بقدرة الله جلَّ وعلا.


وقوله
تعالى: { {اسْجُدُوا لآِدَمَ} } قال بعضهم: سجود تحية، وليس سجوداً على
الجبهة، قالوا ذلك فراراً من كونه سجوداً على الجبهة، لأن السجود على
الجبهة لا يصح إلا لله، ولكن الذي يجب علينا أن نأخذ الكلام على ظاهره
ونقول: الأصل أنه سجود على الجبهة. وإذا كان امتثالاً لأمر الله لم يكن
شركاً كما أن قتل النفس بغير حق من كبائر الذنوب، وإذا وقع امتثالاً لأمر
الله كان طاعة من الطاعات، فإن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أُمر
بذبح ابنه فامتثل أمر الله وشرع في تنفيذ الذبح، ولا يخفى ما في ذبح الابن
من قطيعة الرحم، لكن لما كان هذا امتثالاً لأمر الله عزّ وجل صار طاعة،
ولما تحقق مراد الله تعالى من الابتلاء نسخ الأمر ورفع الحرج، إذاً فالسجود
لآدم لولا أمر الله لكان شركاً، لكن لما كان بأمر الله كان طاعة لله.


وآدم:
هو أبو البشر خلقه الله عزّ وجل من طين وخلقه بيده[(28)]، قال أهل العلم
لم يخلق الله شيئاً بيده إلا آدم وجنة عدن، فإنه خلقها بيده وكتب التوراة
بيده[(29)] جل وعلا، فهذه ثلاثة أشياء كلها كانت بيد الله، أما غيرُ آدم
فيخلق بالكلمة (كن) فيكون، وهو نبي، وليس برسول؛ لأن أول رسول أرسل إلى
البشرية هو نوح عليه الصلاة والسلام، أرسله الله لما اختلف الناس: {{كَانَ
النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ}} [البقرة: 213] ، أي كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث
الله النبيين مبشرين ومنذرين. فكان أول رسول نوحٌ عليه الصلاة
والسلام[(30)] وآدم نبي مُكلَّم[(31)]. فإذا قال قائل كيف يكون نبياً ولا
يكون رسولاً؟


الجواب:
يكون نبياً ولا يكون رسولاً؛ لأنه لم يكن هناك داع إلى الرسالة، فالناس
كانوا على ملة واحدة والبشر لم ينتشروا بعد كثيراً ولم يفتتنوا في الدنيا
كثيراً، نفر قليل، فكانوا يستنون بأبيهم ويعملون عمله، ولما انتشرت الأمة
وكثرت واختلفوا أرسل الله الرسل.


{
{فَسَجَدُوا} } امتثالاً لأمر الله { {إِلاَّ إِبْلِيسَ} } لم يسجد.
وإبليس هو الشيطان ولم يسجد، بَيَّنَ الله سبب ذلك في قوله: { {كَانَ مِنَ
الْجِنِّ} } فالجملة استئنافية لبيان حال إبليس أنه كان من الجن أي: من هذا
الصنف وإلا فهو أبوهم.


{
{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} } أي: خرج عن طاعة الله تعالى في أمره،
وأصل الفسوق الخروج، ومنه قولهم فسقت التمرة إذا انفرجت وانفتحت.


فإذا قال قائل: إن ظاهر القرآن أن إبليس كان من الملائكة؟

فالجواب:
لا، ليس ظاهر القرآن؛ لأنه قال: { {إِلاَّ إِبْلِيسَ} } ثم ذكر أنه {
{كَانَ مِنَ الْجِنِّ} }، نعم القرآن يدل على أن الأمر توجه إلى إبليس كما
قد توجه إلى الملائكة، ولكن لماذا؟ قال العلماء إنه كان ـ أي: إبليس ـ يأتي
إلى الملائكة ويجتمع إليهم فوجه الخطاب إلى هذا المجتمع من الملائكة الذين
خُلقوا من النور ومن الشيطان الذي خُلق من النار، فرجع الملائكة إلى أصلهم
والشيطان إلى أصله، وهو الاستكبار والإباء والمجادلة بالباطل لأنه أبى
واستكبر وجادل، ماذا قال لله؟ {{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}} [الأعراف: 12]
، فكيف تأمرني أن أسجد لواحد أنا خير منه؟ ثم علل بعلة هي عليه قال:
{{خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}} [الأعراف: 12] . وهذا
عليه فإن المخلوق من الطين أحسن من المخلوق من النار، المخلوق من النار،
خلق من نار محرقة ملتهبة فيها علامة الطيش تجد اللهب فيها يروح يميناً
وشمالاً، ما لها قاعدة مستقرة، ولقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه
«إغاثة اللهفان» فروقاً كثيرة بين الطين وبين النار، ثم على فرض أنه خلق من
النار وكان خيراً من آدم أليس الأجدر به أن يمتثل أمر الخالق؟ بلى، لكنه
أبى واستكبر.


قال الله عزّ وجل لما بين حال الشيطان:

{ }.

{
{أَفَتَتَّخِذُونَهُ} } الخطاب يعود لمن اتخذ إبليس وذريته أولياء من دون
الله فعبدوا الشيطان وتركوا عبادة الرحمن، قال الله تعالى: {{ أَلَمْ
أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ
مُسْتَقِيمٌ }} [يس: 60، 61] .


قوله:
{ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ } } أي: من ولدوا منه، سُئل بعض السلف ـ
سأله ناس من المتعمقين ـ فقالوا هل للشيطان زوجة؟ قال إني لم أحضر العقد،
وهذا السؤال لا داعي له، نحن نؤمن بأن له ذرية أما من زوجة أو من غير زوجة
ما ندري، أليس الله قد خلق حواء من آدم؟ بلى، فيجوز أن الله خلق ذرية إبليس
منه كما خلق حواء من آدم.


وهذه
المسائل ـ مسائل الغيب ـ لا ينبغي للإنسان أن يورد عليها شيئاً يزيد على
ما جاء في النص؛ لأن هذه الأمور فوق مستوانا، نحن نؤمن بأن لإبليس ذرية
ولكن هل يلزمنا أن نؤمن بأن له زوجة؟


الجواب: لا يلزمنا.

{
{أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} } أي تتولونهم وتأخذون بأمرهم من دون الله {
{وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} } هذا محط الإنكار، يعني كيف تتخذون هؤلاء أولياء
وهم لكم أعداء؟ هذا من السفه ونقص العقل ونقص التصرف أن يتخذ الإنسان عدوه
وليا.


{ {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} } أي بئس هذا البدل بدلاً لهم، وما هو البدل الخير؟

الجواب: أن يتخذوا الله ولياً لا الشيطان.

وقوله:
{ {لِلظَّالِمِينَ} } يمكن أن نقول إنها بمعنى الكافرين لأنهم هم الذين
اتخذوا الشيطان وذريته أولياء على وجه الإطلاق، ويمكن أن نقول إنها تعم
الكافرين ومن كان ظُلمهم دون ظلم الكفر، فإن لهم من ولاية الشيطان بقدر ما
أعرضوا به عن ولاية الرحمن.


* * *

{{مَا
أَشْهَدْتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ
أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا *}}.


قوله
تعالى: { مَا أَشْهَدْتُهُمْ } يعني أن هؤلاء الذين اتخذهم الناس أولياء
من دون الله ليس لهم حق الكون وبالتدبير، فالله ـ عزّ وجل ـ ما أشهدهم خلق
السموات والأرض؛ لأن السموات والأرض مخلوقتان قبل الشياطين.


{
{وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} } يعني ما أشهدت بعضَهم خلق بعض. فكيف
تتخذونهم أولياء وهم لا شاركوا في الخلق ولا خلقوا شيئاً بل ولا شاهدوه،
وفي هذه الجملة دليل على أن كل من تكلم في شيء من أمر السموات والأرض، بدون
دليل شرعي أو حسي فإنه لا يُقبل قوله، فلو قال: إن السموات تكونت من كذا
والأرضُ تكونت من كذا وبعضهم يقول: الأرض قطعة من الشمس وما أشبه ذلك من
الكلام الذي لا دليل على صحته.


فإننا
نقول له: إن الله ما أشهدك خلق السموات والأرض، ولن نقبل منك أيَّ شيء من
هذا، إلاَّ إذا وجدنا دليلاً حسياً لا مناص لنا منه، حينئذٍ نأخذ به؛ لأن
القرآن لا يعارض الأشياء المحسوسة.


{ {وَمَا كُنْتُ} } الضمير في { {كُنْتُ} } يعود إلى الله.

{
{مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} } أي: أنصاراً ينصرون ديني، لماذا؟ لأن
المضل يصرف الناس عن الدين، فكيف يتخذ الله المضلين عضدا، وهو إشارة إلى
أنه لا ينبغي لك أيها الإنسان أن تتخذ المضلين عضدا تنتصر بهم، لأنهم لن
ينفعوك بل سيضرونك، إذاً لا تعتمد على السفهاء ولا تعتمد على أهل الأهواء
المنحرفة؛ لأنه لا يمكن أن ينفعوك بل هم يضرونك، فإذا كان الله عزّ وجل لم
يتخذ المضلين عضدا فنحن كذلك لا يليق بنا أن نتخذ المضلين عضدا؛ لأنهم لا
خير فيهم، وفي هذا النهي عن بطانة السوء وعن مرافقة أهل السوء، وأن يحذر
الإنسان من جلساء السوء.


* * *

{{وَيَوْمَ
يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ
يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا *}}.


قوله
تعالى: { {وَيَوْمَ يَقُولُ} } أي اذكر يوم يقول: { {نَادُوا شُرَكَائِيَ
الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} } فينادونهم ولا يستجيبون لهم، وهذا يكون يوم
القيامة، يقال لهم: أين شركائي الذين كنتم تزعمون؟ نادوا شركائي الذين
زعمتم أنهم أولياء شفعاء.


{
{فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} } فهذه الأصنام لا تنفع أهلها
بل تُلقى هي وعابدوها في النار، قال الله عزّ وجل: {{إِنَّكُمْ وَمَا
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا
وَارِدُونَ *}} [الأنبياء: 98] .


{
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} } الموبق هو مكان الهلاك، يعني أننا
جعلنا بينهم حائلاً مهلكاً حيث لا يمكن أن يذهبوا إلى شركائهم، ولا أن يأتي
شركاؤهم إليهم، أرأيت لو كان بينك وبين صاحبك خندق من نار هل يمكن أن تذهب
إليه لتنصره، أو أن يأتي إليك لينصرك؟


الجواب: لا يمكن، هؤلاء يجعل الله بينهم يوم القيامة { {مَوْبِقًا} }.

* * *

{{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا *}}.

قوله تعالى: { } المجرمون يعني الكافرين، كما قال عزّ وجل: {{إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}} [السجدة: 22] .

{
{فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} } { {فَظَنُّوا} } أي أيقنوا: {
{أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} } والظن يأتي بمعنى اليقين كما في قوله تعالى:
{{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ}} [البقرة: 46] ، أي:
يوقنون أنهم ملاقو الله، وإلاَّ فالظن الذي هو ترجيح أحد الأمرين المشكوك
فيهما لا يكفي في الإيمان.


{
{وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} } يعني لم يجدوا مكانا ينصرفون عنها
إليه، وهذه الجملة معطوفة على (رأى) وليست داخلة تحت قوله ظنوا، لأنه لو
كان داخلاً في الظن لقال «ولن»، يعني أنهم لما رأوْها وظنوا أنهم مواقعوها
لم يجدوا عنها مصرفاً أي مكاناً ينصرفون إليه لينجوا به منها.


* * *

{{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً *}}.

قوله
تعالى: { {صَرَّفْنَا} } يعني نوعنا، تصريف الشيء يعني تنويعه كما قال
تعالى: {{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ}} [البقرة: 164] ، أي تنويعها من الجنوب
إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب، إذاً { {صَرَّفْنَا} } أي نوعنا في هذا
القرآن من كل مثل، وهكذا الواقع. فكلام الله صدق، أمثال القرآن تجدها
متنوعة فتارة لإثبات البعث، وتارة لإثبات وحدانية الله، وتارة لبيان حال
الدنيا، وتارة لبيان حال الآخرة، وتارة تكون مطولة، وتارة مختصرة، فهي
أنواع. كل نوع في مكانه من البلاغة والفصاحة.


{ {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} } أي من كل جنس وصنف، فهذا مثل لكذا وهذا مثل لكذا، لماذا؟

الجواب:
من أجل أن يتذكر الناس ويتعظوا ويعقلوها. ولكن يوجد من الناس من لا يتعظ
بهذه المثل، بل على العكس، ولهذا قال: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ
شَيْءٍ جَدَلاً} }، قوله: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ} }، بعض المفسرين يقول: {
{الإِنْسَانُ} } يعني الكافر، ولكن في هذا نظر؛ لأنه لا دليل على تخصيصه
بالكافر، بل نقول { {الإِنْسَانُ} } من حيث الإنسانية.


{
{أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} } يعني أكثر ما عنده، ولكن من حيث الإيمان
فالمؤمن لا يكون مجادلاً، بل يكون مستسلماً للحق ولا يجادل فيه، ولهذا قال
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما أوتي قوم الجدل إلاَّ ضلوا» وتدبر حال
الصحابة رضي الله عنهم تجد أنهم مستسلمون غاية الاستسلام لما جاءت به
الشريعة، ولا يجادلون ولا يقولون لم؟ ولما قال الرسول صلّى الله عليه
وسلّم: «توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم»[(32)] هل قال
الصحابة «لِمَ»؟ بل قالوا سمعنا وأطعنا، ما جادلوا، وكذلك في بقية الأوامر،
لكن الإنسان من حيث هو إنسان أكثر شيء عنده الجدل. إذاً إذا مر بك مثل هذا
في القرآن الكريم { {الإِنْسَانُ} } فلا تحمله على الكافر إلا إذا كان
السياق يُعَيِّنُ ذلك، فإذا كان السياق يراد به ذلك، صار هذا عاماً يراد به
الخاص، لكن إذا لم يكن في السياق ما يعين ذلك فاجعله للعموم، اجعله
إنساناً بوصف الإنسانية، والإنسانية إذا غلب عليها الإيمان اضمحل مقتضاها
المخالف للفطرة.


قوله:
{ {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} } هذا وقع في قول الرسول
صلّى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب وزوجته فاطمة رضي الله عنهما حين
جاء إليهما ذات ليلة ووجدهما نائمين فقال: «ألا تصليان»، قال علي رضي الله
عنه: «إنَّ أنفُسَنا بيد الله ولو شاء لأيقظنا»، فانصرف الرسول صلّى الله
عليه وسلّم وهو يضرب على فخذه ويقول: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ
شَيْءٍ جَدَلاً} }[(33)] ولا شك أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعلم أن
أنفسهما بيد الله، والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الفريضة: «من نام عن
صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»[(34)] فعذر الناسي والنائم وهو يعلم
عليه الصلاة والسلام ذلك ولكنه يريد أن يَحُثَّهُما، وأراد علي رضي الله
عنه أن يدفع اللوم عنه وعن زوجه فاطمة رضي الله عنها.


* * *

{{وَمَا
مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى
وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ
أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً *}}.


قوله
تعالى: { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا } يعني ما منع الناس عن
الإيمان والاستغفار نقص البيان، فقد ذكر الله أنه ضرب للناس في هذا القرآن
من كل مثل، وكان الواجب على الإنسان إذا ضربت له الأمثال أن يؤمن. لكنه ما
منعهم من الإيمان نقصٌ في البيان، فالأمر والحمد لله بين واضح أتى بها
النبي صلّى الله عليه وسلّم بيضاء نقية[(35)] لكنه العناد.


ولهذا
قال جلَّ وعلا: { {إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ
يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً} } أي ما ينتظرون إلاَّ أن تأتيهم سنة
الأولين أو يأتيهم العذاب قبلاً.


وقوله:
{ {وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ} } يعني يطلبون مغفرته، فالمؤمن كثير
الاستغفار لربه، والكافر إذا آمن لا بد أن يستغفر الله بما وقع فيه من
الذنوب، فإذا آمن واستغفر زال عنه ما كان من الذنوب. قال تعالى: {{قُلْ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}}
[الأنفال: 38] .


وقوله: { {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً} } يعني مقابلة ومعاينة ومباشرة، وما هي سنة الأولين؟

الجواب:
هي أخذهم بالعذاب العام، لكن لم يأخذ الله هذه الأمة بعذاب شامل لأن النبي
صلّى الله عليه وسلّم دعا ربه ألا يهلك أمَّته بسنة بعامة[(36)] فأجاب
الله دعاءه.


* * *

{{وَمَا
نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا
آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا *}}.


قوله
تعالى: { {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ} } هذه وظيفة الرسل ما نرسل المرسلين من أولهم نوح عليه
السلام إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، إلاَّ لهذين
الأمرين: مبشرين ومنذرين، يعني ولم نرسلهم من أجل أن يجبروا الناس على
الإيمان بل هم مبشرون ومنذرون، يبشرون المؤمنين وينذرون الكافرين.


{ {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} } منصوبة على الحال من المرسلين، يعني إلاَّ حال كونهم مبشرين ومنذرين.

{
{وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ
الْحَقَّ} } المجادلة هي المخاصمة وسميت المخاصمة مجادلة؛ لأن كل واحد
يَجْدُلُ حجته للآخر والجَدْل هو فتل الحبل حتى يشتد ويقوى، هذا أصل
المجادلة، إذاً يجادل أي يخاصم، والمخاصمة بالباطل باطلة، مثال ذلك في
الرسل يقولون: {{أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}} [التغابن: 6] ، {{وَلَوْ شَاءَ
اللَّهُ لأَنْزَلَ مَلاَئِكَةً}} [المؤمنون: 24] ، ويجادلون في البعث
فيقولون: {{مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}} [يس: 78] ، ويجادلون
في الآلهة يقولون: إذا كان المشركون وما يعبدون من دون الله حصب جهنم،
فعيسى عليه السلام من حصب جهنم، وغير ذلك من المجادلة، وقد أبطل الله
مجادلتهم بعيسى عليه السلام قال الله تعالى: {{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ
لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى}} [الأنبياء: 101] ، ومنهم عيسى عليه السلام
{{أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}} [الأنبياء: 101] ويستفاد من الآية أن كل
إنسان يجادل من أجل أن يدحض الحق فإن له نصيباً من هذه الآية، يعني أن فيه
نصيباً من الكفر والعياذ بالله لأن الكافرين هم الذين يجادلون بالباطل
ليدحضوا به الحق، فإذا قال قائل: «الشبهات التي يوردها من يوردها من الناس،
كيف يقال إنها باطل وهي شبهة؟».


فالجواب:
إذا كان غرضهم منها أن يُدحضوا الحق، مثل الذين ينكرون حقيقة استواء الله
على العرش ويقولون: إنه لو استوى على العرش لكان «جسماً»، فهؤلاء جادلوا
بالباطل من أجل أن يدحضوا الحق الذي أثبته الله لنفسه، وأما مسألة أن الله
«جسم» أو غير «جسم» فهذه شيء آخر، المهم أنهم أتوا بهذه الكلمة من أجل
إدحاض الحق، ونحن لا ننكر عليهم مسألة أنه «جسم أو غير جسم»، ننكر أنهم
أنكروا حقيقة الاستواء، وأما مسألة أنه «جسم أو غير جسم» فهذا مبحث آخر،
وهو أننا لا نثبت اللفظ «جسم» ولا ننكره، أما المعنى فنقول: إن الله تعالى
حق قائم بذاته موصوف بصفاته يفعل ما يشاء، يستوي على عرشه، وينزل إلى
السماء الدنيا، وينْزِل ليفصل بين العباد، ويعجب ويفرح ويضحك، المهم أنه
كلما رأيت شخصاً يجادل يريد أن يدحض الحق، فله نصيب من هذه الآية.


{ {وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} } { {وَاتَّخَذُوا} } أي صيروا. { {وَاتَّخَذُوا} } يعني القرآن.

{
{وَمَا أُنْذِرُوا} } أي ما أنذروا به من العذاب اتخذوها { {هُزُوًا} }
مثال ذلك أن الكفار استهزؤوا لما أخبر الله عزّ وجل عن شجرة الزقوم
{{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ *}} [الصافات: 64] ،
يعني في قعره، فصاروا يضحكون كيف تخرج في أصل الجحيم، وهي شجرة أبعد ما
يكون عن النار، النار حارة جافة والشجرة رطبة، فجعلوا يستهزئون ويقولون:
هذا من هذيان محمد صلّى الله عليه وسلّم، فاتخذوا ما أنذروا به هزواً والله
عزّ وجل قال: {{فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا
الْبُطُونَ *}} [الصافات: 66] {{ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا
نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ }} [الواقعة: 54، 55] ، يملؤون بطونهم من هذه
الزَّقوم ملئاً تاماً ثم تحترق من العطش، فماذا يسقون؟ يسقون ماءً حاراً
{{فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ}} أي على ما في بطونهم {{مِنَ الْحَمِيمِ}}، ومع
ذلك يشربون شرباً ليس عادياً بالنسبة إلى البشر، ولكنه شرب الإبل الهيم،
العطاش، هذه الشجرة التي يهزؤون بها هي التي يملؤون بها بطونهم في جهنم.


* * *

{{وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ
مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ
يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى
فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا *}}.


قوله
تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ } أي ذكره
الواعظ بآيات ربه الكونية، كأخذه الأمم المكذبين، أو الشرعية كالقرآن.


{
{فَأَعْرَضَ عَنْهَا} }، ولم يقبلها، أي لا أ حد أظلم منه، فإن قيل: ما
الجمع بين هذه الآية، وبين الآية التي في أول السورة وهي قوله تعالى:
{{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}} ونحوها؟


فالجواب: بأحد وجهين:

الأول:
أن الأفضلية باعتبار ما شاركه في أصل المعنى، فقوله تعالى: { وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ } يعني من أظلم ممن ذكر بآيات
ربه فأعرض عنها من الذين يُذَكَّرون فيُعرِضون، قد يذكر الإنسان فيعرض، لكن
أشد ما يكون أن يذكر بآيات الله ثم يعرض عنها، وفي افتراء الكذب قد يفتري
الإنسان الكذب على فلان وفلان، وأعظم ما يكون الافتراء عليه هو الله عزّ
وجل، وأنت إذا أخذت بهذه القاعدة سلمت من إشكال كبير.


الثاني:
وقيل: إن «أظلم» و«أظلم» يشتركان في الأظلمية ويتساويان فيها بالنسبة
لغيرهما، وفيه نظر لأنه لا يمكن أن نقول: إنّ من ذكر بآيات ربه فأعرض عنها
أنه يساوي من افترى على الله كذباً، أو من منع مساجد الله أن يُذْكر فيها
اسمه يساوي من كذب على الله، ونحو ذلك.


قوله:
{ بِآيَاتِ رَبِّهِ } الكونية والشرعية؛ الكونية أن يقال له: إن كسوف
الشمس والقمر يخوف الله بهما عباده فيعرض عنها ويقول: أبداً خسوف القمر
طبيعي، وكسوف الشمس طبيعي، ولا إنذار ولا نذير، وهذا إعراض، أما الآيات
الشرعية فكثير من يذكر بآيات الله ويعرض عنها.


{
{وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} } يعني نسي ما قدمت يداه من الكفر
والمعاصي والاستكبار وغير ذلك مما يمنعه عن قبول الحق، لأن الإنسان والعياذ
بالله كلما أوغل في المعاصي، ازداد بعداً عن الإقبال على الحق كما قال
الله عزّ وجل: {{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}} [الصف: 5]
، ولذلك يجب أن يُعلم أن من أشد عقوبات الذنوب أن يعاقب الإنسان بمرض
القلب والعياذ بالله، فالإنسان إذا عوقب بهلاك حبيب أو فقد محبوب من المال،
فهذه عقوبة لا شك، لكن إذا عوقب بانسلاخ القلب فهذه العقوبة أشد ما يكون.
يقول ابن القيم رحمه الله:


والله ما خوفي الذنوب فإنها***لعلى طريق العفو والغفران

وإنما أخشى انسلاخ القلب من***تحكيم هذا الوحي والقرآن

هذا هو الذي يخشاه الإنسان العاقل، أما المصائب الأخرى فهي كفارات وربما تزيد العبد إيماناً.

{ {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} } أي صيرنا.

{
{عَلَى قُلُوبِهِمْ} } أي قلوب من { ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ
عَنْهَا }، وأعيد ضمير الجمع على مفرد باعتبار المعنى؛ لأن «مَن» سواء كان
اسماً موصولاً أو شرطية يجوز في عود الضمير إليها أن يعود على لفظها فيكون
مفرداً أو يعود على معناها فيكون مجموعاً أو مثنى حسب السياق، فإذا قلت:
«يعجبني من قام» فهنا عاد على اللفظ، وإذا قلت: «يعجبني من قاما» فهنا يعود
على المعنى، وكذلك لو قلت: «يعجبني من قاموا» وقد يراعى اللفظ مرة والمعنى
مرة أخرى وتعود الضمائر لمراعاة الأمرين في سياق واحد، قال تعالى:
{{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا}} فهنا روعي اللفظ، وفي
قوله: {{يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}} روعي
اللفظ أيضاً، وقوله: {{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}} روعي فيها المعنى، وفي
قوله: {{قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا}} روعي اللفظ، كل هذا جاء في
سياق واحد: {{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا}} [الطلاق: 11] ، فروعي اللفظ أولاً ثم
المعنى ثانياً ثم اللفظ ثالثاً.


{
{أَكِنَّةً} } أي: أغطية تمنعهم من { {أَنْ يَفْقَهُوهُ} } أن يفقهوا
القرآن فلا يفهمونه، وفي هذا الحث على فقه القرآن، وأنه ينبغي للإنسان أن
يقرأ القرآن ويتعلم معناه، كما كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يتجاوزون
عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل.


{
{وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} } أي صمماً. تأمل، والعياذ بالله، القلوب
عليها غِطاء فلا تفقه، والآذان عليها صمم فلا تسمع، فلا يسمعون الحق ولا
يفهمونه.


{ {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} } يعني لو أرشدتهم يا محمد إلى الهدى.

{
{فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا} } أي ما دامت قلوبهم في أكنة، وفي آذانهم وقرٌ
لن يهتدوا، فمن أين يأتي الهدى، والآذان لا تسمع الحق والقلوب لا تنقاد
للحق والعياذ بالله؟! فإن قال قائل: هل في هذا تيئيس للرسول صلّى الله عليه
وسلّم من أنه وإن دعا لا يقبل منه أو فيه تسلية له؟


فالجواب: في هذا تسلية له، وأنهم إذا لم يقبلوا الحق فلا عليك منهم { {فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} }.

* * *

{{وَرَبُّكَ
الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ
لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ
مَوْئِلاً *}}.


قوله
تعالى: { {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا
كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ} } هذا فيه تسلية للرسول صلّى الله
عليه وسلّم من وجه آخر، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم يمكن أن يقول:
لماذا لم يعاجلوا بالعقوبة، كيف يكذبونني وأنا رسول الله ولم يعاقبهم؟!
ولكن بَيَّن الله له أنه هو { {الْغَفُورُ} } أي الذي يستر الذنوب ويتجاوز
عنها.


{
{ذُو الرَّحْمَةِ} } أي صاحب الرحمة الذي يلطف بالمذنب. ولهذا قال: {
{لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ} } يعني
لو أراد الله أن يؤاخذ الناس بما كسبوا لعجل لهم العذاب، وقد بين الله عزّ
وجل هذا العذاب في آيات أخرى فقال: {{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ
بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَآبَّةٍ}} [فاطر: 45] ،
أي لأهلكهم في الحال، ولكن {{يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً}} [فاطر:
45] .


{
{بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} } «بل» هذه
للإضراب الإبطالي، يعني بل لن يسلموا من العذاب إذا أُخر عنهم، لهم موعد {
{لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} }، أي مكاناً يؤولون إليه، وهذا
يوم القيامة، ويحتمل أن يكون ما يحصل للكفار من القتل على أيدي المؤمنين
كما قال عزّ وجل: {{ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ
وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ
مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
}}
[التوبة: 14، 15] ، إذاً يحتمل أن يكون المراد ما سيكون عليهم من القتل،
والأخذ في الدنيا، أو ما سيكون عليهم يوم القيامة الذي لا مفر منه.


* * *

{{وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا *}}.

قوله
تعالى: { {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ} } أي: قرى الأمم السابقين،
قد يقول قائل هنا إشكال: فإن القرى جماد، والجماد لا يعود عليه الضمير
بصيغة الجمع، يعني أنك لا تقول مثلاً: «هذه البيوت عمرناهم» ولكن تقول:
«هذه البيوت عمرناها»،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ملك النجوم
::-عضو مجتهـد-::
::-عضو مجتهـد-::
ملك النجوم


المزاج المزاج : تفسير سورة الكهف /3/ 110
المهنة المهنة : تفسير سورة الكهف /3/ Studen10
الهواية الهواية : تفسير سورة الكهف /3/ Unknow11
الاعلام الاعلام : تفسير سورة الكهف /3/ Egypt10
عدد المساهمات : 46
النقاط النقاط : 89510
السمعة السمعة : 0
تاريخ التسجيل : 24/06/2012

تفسير سورة الكهف /3/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الكهف /3/   تفسير سورة الكهف /3/ Emptyالأحد يونيو 24, 2012 11:09 pm

جزاك الله كل خير علي الموضوع الرائع
لا تحرمنا من إبداعك
خالص تحياتي لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد ماجد
::-عضو جديد-::
::-عضو جديد-::
محمد ماجد


المزاج المزاج : تفسير سورة الكهف /3/ 410
المهنة المهنة : تفسير سورة الكهف /3/ Player10
الهواية الهواية : تفسير سورة الكهف /3/ Swimmi10
الاعلام الاعلام : تفسير سورة الكهف /3/ 310
عدد المساهمات : 8
النقاط النقاط : 89464
السمعة السمعة : 0
تاريخ التسجيل : 25/06/2012

تفسير سورة الكهف /3/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الكهف /3/   تفسير سورة الكهف /3/ Emptyالإثنين يونيو 25, 2012 2:16 pm

شكرا اخي على الطرح الجميل

تسلم الانامل

تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الزعيم
::-مؤسس الموقع-::
::-مؤسس الموقع-::
الزعيم


المزاج المزاج : تفسير سورة الكهف /3/ 5510
المهنة المهنة : تفسير سورة الكهف /3/ Player10
الهواية الهواية : تفسير سورة الكهف /3/ Painti10
الاعلام الاعلام : تفسير سورة الكهف /3/ 610
ذكر
عدد المساهمات : 2713
النقاط النقاط : 127328
السمعة السمعة : 13
تاريخ التسجيل : 07/05/2009
العمر : 26

تفسير سورة الكهف /3/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الكهف /3/   تفسير سورة الكهف /3/ Emptyالإثنين يونيو 25, 2012 2:16 pm

باركـ الله فيكـ أخي

موضوع أكثر من رائع

جعله الله في ميزانكـ يا رب
تفسير سورة الكهف /3/ 76417
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://djil.yoo7.com
 
تفسير سورة الكهف /3/
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة الكهف /5/
» تفسير سورة الكهف /4/
» تفسير سورة الكهف /2/
» تفسير سورة الكهف /1/
» تفسير بعض ايات سورة الكهف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديــآت جيل العرب :: المنتدى الاسلامي :: القرآن الكريم-
انتقل الى: