وهذا يجعلنا نتساءل :
لماذا شُكِّلَتْ لجنة على أعلى مستوى فيها من علماء القراآت أئمة أعلام :
كالشيخ عامر بن السيد عثمان ، والشيخ أحمد عبد العزيز الزيات ، والشيخ عبد
الفتاح المرصفي ، والشيخ محمود سيبويه البدوي رحمهم الله ، وغيرُهُمْ من
أعلام القراء في هذا العصر ؛ وذلك للإشراف على التسجيل ، ولمرافقة التلاوة
أثناء تسجيل مصحفٍ صوتيٍّ لِكُلٍّ من الشيخ علي الحذيفي ، والشيخ إبراهيم
الأخضر ، والشيخ محمد أيوب ، وذلك في مُجَمَّع المصحفِ بالمدينة النبوية ؛
مع أن ثلَاثَتَهُمْ قُرَّاءٌ مُتْقِنُونَ ؟!
ألا يحتاج المحرابُ في المسجدين المُقدَّسين والحرمين الشريفين المسجد
الحرام والمسجد النبوي إلى لجنةٍ مُشَابِهَةٍ ، تُرشِّحُ من تراه أهلًا
وتتولى اختبارَهُ ، ثم تتولى متابعة أداءِ كلَّ إمامٍ لتنبيهِهِ إلى
أخطائِهِ ، ومساعدتِهِ على أن يُصْلِحَ من لسانِهِ ؟ هذا مع أن هذا المقام
أخطر وأصعب من ذاك المقام ؟
مثلًا : شارَكَ في صلاةِ التراويح والتهجُّدِ في رمضان هذا العام بالمسجد
النبوي إمامٌ جديدٌ([9]) ، أتعجبُ كيف رُشِّحَ ، لا يمكن أن يرشِّحَهُ
عالِمٌ أو مُجَوِّد ، لكثرة أخطائه في التجويد ، ومن أخطائه التي هي من
قبيل اللَّحْنِ الجليِّ نطقُهُ بحرفِ الجيمِ ، فإنه ينطق بها ملتبسة بالشين
، أو فيها من صوت الشين ، فتَصيرُ مثلَ الجيمِ الهنديةِ التي يرمزون لها
بوضع ثلاث نقط ؛ وهذا منه نتيجة الإخلال بصفتَيِ الجهر والشِّدَّةِ فيها ،
إذ بهما تتميز عن الشين ؛ لأن مخرجهما واحد .
ومن أمثلة اللحن الجليِّ الذي يقع من بعض أئمة الحرمين الشريفين : التوقف
على اللام التي بعد الألف الممدودة التي بعد الضاد في قوله في سورة الفاتحة
: ( .. وَلَا الضَّآلِّينَ) بمقدار حركتين فأكثر .
ومنه إظهار الغنة في النون والميم الساكنتين عند الوقف عليهما في مثل : (العَالَمِينْ)(الرَّحِيمْ)
ومن اللَّحْن الجليِّ عَدَمُ تحقيقِ الكَسرِ في مثل
(العَالَمِين)(الرَّحِيم)(العَالَمِينْ)(الدِّين) (نسْتَعين) فتبدو اليَاءُ
المَمدودةُ مدًا عارضًا للسكون كأنها مُمَالَةٌ ، ومثله في الواو في مثل
(تَعْبُدُون) بدلًا من تحقيق الضم يَنْطِقُ بها بين الفَتْح والضمِّ وهذا
خطأ .
ومن اللحن الجليِّ وَصْلُ الآيات الأولى من سورة الفاتحة بالتَّسْكِين ،
وربما لا يُريد الوَصْلَ مَنْ يقع في هذا ؛ لكنه من سرعةِ القراءةِ أشبهتِ
الوَصْلَ ، وهذا ليس عذرًا إذ عليه في هذه الحالة أن يُعْربَ أواخرَ الآيات
.
ومن اللحن الجليِّ النُّطْقُ بالجيم مُعَطَّشَة ؛ وهذا أيضًا يقع من النقص في صفتي الجَهْر والشِّدَّةِ في الجيم .
ومن اللحن الجليِّ اقتراب الغين من الخاء في (غَيْر المَغْضُوبِ) وسببه
النقص في صفة الجهر في الغين بينما الخاء مهموسة . وأما الضاد من
(الضَّالِّين) في الفاتحة فحالُهَا مع هؤلاء الأئمة مما تُسْكَبُ فيه
العَبَرَاتُ ، تُنْطَقُ أحيانًا ظاءً ، وأحيانًا طاءً - بالمهملة -،
وأحيانًا دالًا مُفَخَّمَة ، وهذا هو الغالب ، وكل هذا الأصلُ فيه أنه من
اللحن الجليِّ الذي يُفسِد القراءة ويجعل الصلاة خلفَ الإمام فيها نظرٌ ،
لكنَّ الإخلالَ بالضاد مما عَمَّتْ به البَلْوَى ، وكَلَّتْ دون ضَبْطِهِ
الهممُ ، ليس في عصرنا فقط ؛ بل منذ زمن السَّخاوي عَلَمِ الدين أوَّلِ
شارحٍ للشاطبيةِ ، المُتَوَفَّى سنة (643) هـ ، حيث يقول في منظومةٍ له :
وَالضَّادُ عَالٍ مُسْتَطِيلٌ مُطْبَقٌ
جَهْرٌ يَكِلُّ لَدَيْهِ كُلُّ لِسَانِ
حَاشَا لسانٍ بالفَصَاحَةِ قيِّمٍ
ذَرِبٍ لأحْكَامِ الحُروفِ مُعَانِي
كمْ رَامَهُ قَومٌ فما أَبْدَوا سِوَى
دالٍ مُفَخَّمَةٍ بلا عِرْفَانِ
وفي نسخة : «لَامٍ مُفَخَّمَةٍ» ..
هذه أمثلة من اللَّحن الجليِّ الواقع من بعض أئمة الحرمين الشريفين ولأنها
أمور صوتية فإنني أفكر في إصدار شريط صوتيّ للتنبيهِ على ذلك ، هذا إذا
توافرَتْ «تسجيلاتٌ» تقبل بمثل هذا الإصدار وتجرؤ عليه ، ذَبًّا عن القرآن
ودفاعًا عن حِيَاضِهِ .
كتبه :عبد العزيز القارئ
بالمدينة النبوية
في 2/10/1426هـ
([1]) الأضداد للأنباري [طبعة الكويت 1960 م] ص 238 .
([2]) الأضداد ص 245- ، 246 .
([3]) بهجة المجالس وانسُ المجالس وشّحْنُ الذِّهْن والهَاجِس [الطبعة المصرية] 1/66.
([4]) بهجة المجالس 1/64 .
([5]) المستدرك 2/439 .
([6]) ابن عبد البر في بهجة المجالس 1/65 .
([7]) التحديد في الإتقان والتجويد للداني [بتحقيق د . غانم قدوري حمد / طبعة جامعة بغداد / 1407هـ] ص 104 .
([8]) انظر المغني [ الطبعة المصرية القديمة] 2/32 .
([9]) عام 1427هـ .
يتبع..